كل من قرأ التاريخ يعلم أن ثورة الحسين رضي الله عنه لم تكن ثورة على الإمبريالية الأمريكية، ولا على الصهيونية العالمية، ولا على الاستكبار الدولي، إنما كانت ثورة الحق على الباطل، والمظلوم على الظالم.
وكان الظالم يومها حاكمًا مسلمًا، لكنه لما جار على عباد الله، وأذل الناس وسفك الدم الحرام، اجتهد الحسين في الخروج عليه ليعيد الحق إلى نصابه، ويرفع الظلم عن المظلومين، ويحقق العدالة بين الناس، وفي هذا تنقل المراجع الشيعية عن الحسين رضي الله عنه قوله:
(إِنِّي لَمْ أَخرُجْ أَشِرًا وَلا بَطِرًا، وَلا ظَالِمًا وَلا مُفسِدًا، وإنما خرجتُ لِطَلَبِ الإِصلاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي، أُرِيدُ أَن آمُرَ بِالمَعرُوفِ وَأَنهَى عَنِ المُنكَر).كما أن من أهداف ثورة الحسين رضي الله عنه كما تنص على ذلك المراجع الشيعية تحقيق العزة والكرامة لأمة الاسلام وتحرير الناس من الذل والهوان والخنوع للمتجبرين.
فينقلون عنه قوله: (أَلا وَإِنَّ الدعِيَّ ابنَ الدعِيَّ قَد رَكزَ بَينَ اثْنَتَيْنِ، بَينَ السلَّةِ وَالذلَّة، وهَيْهَات مِنَّا الذلَّة، يَأبَى اللهُ لَنَا ذَلكَ وَرَسُولُهُ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ وَأُنُوفٌ حَميَّةٌ مِن أَنْ نُؤثِرَ طَاعَة اللِّئَام عَلى مَصَارِعِ الكِرَام).
وقد قام دين الشيعة كله على هاتين القضيتين، وأن من أوجب الواجبات الثورة على الظالمين، ورفض الاستكانة والذل المهين، وفي كل عام تطل فيه مناسبة عاشوراء يملأ الشيعة الدنيا صخبا وعويلًا.
ويسترجعون مظلومية الحسين، ويتوعدون الظالمين بالويل والثبور، وعظائم الأمور، وقد عدوا ثورة الخميني وانتصاره على الشاه في إيران إحدى بركات مدرسة عاشوراء، وتحقيقًا لغايات معركة كربلاء، ومنذ ذلك الحين والشيعة لا يكفون عن ادعاء انهم من يقف في وجه الاستكبار العالمي.
وأنهم نصير المستضعفين في العالم، وأنهم دعاة الحق والعدالة، وتحت هذا العنوان أخذوا يصدرون ثورتهم، وكم خدعوا به من مغفلين، وضللوا من جاهلين، رغم أنهم على أرض الواقع، لم ينصروا مظلومًا، ولم يردعوا ظالمًا.
بل اكتفوا بالصراخ والعويل، وكانوا في كثير من الأحيان مع الظالم والمستكبر ضد المظلوم الضعيف، كما وقفوا مع الشيطان الاكبر في غزوه لافغانستان، ثم في اجتياحه للعراق، وعندما بدأ الربيع العربي في أكثر من قطر من الأقطار.
وقامت الشعوب ثائرة على حكامها الظالمين وجلاديها المجرمين، لم يفوت زعماء الشيعة وعلى رأسهم المرشد الأعلى للثورة الايرانية الخامنئي فرصة ادعاء أن هذه الثورات ما هي إلا استلهام لثورة الخميني في التحرر من الظلم والطغيان، ويوم نجحت الثورة في تونس ومصر تسابق زعماء الشيعة وسارعوا الى التبريك لتلك الشعوب وتهنئتها بالنصر، وكذلك فعلوا بشأن الثورة الليبية.
كان هذا موقف زعماء الشيعة من كل الثورات العربية فلما وصل الدور إلى الثورة السورية التي يبدو أنها فاجأتهم وأصابتهم بصدمة أفقدتهم صوابهم، إذا بهم ينقلبون على دينهم وعقيدتهم، ويضربون بشعاراتهم وراياتهم التي طالموا رفعوها وتشدقوا بها عرض الحائط، ويقفون في صف الظالم ضد المظلوم.
ومع الجلاد ضد الضحية، فيعلن الخامنئي أن الثورة السورية نسخة مزيفة عن الثورات في مصر وتونس واليمن وليبيا، متهمًا الولايات المتحدة الأمريكية بصنع هذه النسخة بغية إيجاد خلل في "جبهة الممانعة"، حسب تعبيره، زاعمًا أن فحوى أحداث سوريا تختلف عن مثيلاتها في المنطقة.
ويضيف "أن جوهر الصحوة الإسلامية في بلدان المنطقة معادية لأمريكا والصهيونية إلا أن يد أمريكا في أحداث سوريا مكشوفة بوضوح". ثم يأتي محمد رضا رحيمي ليصف ما يجري في سورية من ثورة الشعب ضد الطغيان بأنه «مؤامرة القوى الاستكبارية».
وينبري نور المالكي الذي يريد استئصال شأفة البعث في العراق، لينافح ويدافع عن البعث، ويقف نصيرًا له في سوريا، أما زعيم حزب الله الذي مافتئ يدافع عن الكرامات والحرمات فإنه لم ير أي كرامة للشعب السوري تستحق أن ينتصر لها.
ولم يبلغه عن أي حرمة من حرماته تعرضت للانتهاك والعدوان، ولا يبتعد الرئيس نبيه بري عن غيره من زعماء الشيعة حين يصف الثورة السورية بأنها مؤامرة جديدة تعيد سايكس بيكو، وهكذا يتتابع زعماء الشيعة في مختلف أنحاء العالم دون أن يشذ أحد منهم عن القاعدة على الاصطفاف مع النظام السوري ضد شعبه في انحياز طائفي فاضح.
وهم الذين ما زالوا يدعون أنهم أعداء الطائفية، وأنهم أتباع الحسين الذي ضحى بروحه من أجل الحرية والكرامة، والذريعة الوحيدة التي يسوقونها لتبرير مواقفهم تلك هي الحفاظ على خط المقاومة ونهج الممانعة، وكأن المقاومة والممانعة لا تتأتى إلا بذبح الشعوب وسحق كراماتهم.
يقول الكاتب الفلسطيني ياسر الزعاترة في مقال له "حين خرج السوريون يطلبون الحرية ورد عليهم النظام بالقتل والاعتقال لم نملك إلا أن نصرخ قائلين بئست المقاومة التي تمر من فوق أجساد السوريين وحريتهم، وتتنزه فلسطين عن أن تستخدم قضيتها المقدسة تبريرا لهذه الجرائم.".
ووجه حديثه لنصر الله قائلا كيف تقول إن ما يحدث في الدول العربية ثورات شعبية حقيقية وليست مشروعا أمريكيا وتستثني منها الثورة السورية، ولماذا تكون الشعوب الأخرى رائعة وثائرة لحساباتها الذاتية، بينما يثور السوريون لخدمة الأجندة الأمريكية ومشروع «الشرق الأوسط الكبير»؟!
بعد هذا كله كيف سيحتفل الشيعة بعاشوراء هذا العام، وكيف سيحيونها يا ترى؟ وهل بقي للشعارات التي دأب الشيعة على رفعها في عاشوراء مثل: "كربلاء ثورة انتصار الحر على الظلم"،"وكونوا أحرارًا"، و"هيهات منا الذلة"، و"يا لثارات الحسين"، هل بقي لها مكان ومعنى؟
وهل نتوقع أن يعلن الشيعة في ذكرى عاشوراء المقبلة أن الحسين رضي الله عنه كان بخروجه على حكام زمانه متآمرًا على وحدة البلاد، ودور أولئك الحكام البطولي في مقارعة الأعداء، ومنفذا لمشروع خارجي معاد للامة، وهل سنشاهد رايات جديدة تمجد عبيد الله بن زياد، وتكيل المدائح لعمر بن سعد، ويزيد بن معاوية ابن ابي سفيان؟ كما يمجد ويمدح الظالمون اليوم؟
الكاتب: عدنان أمامة
المصدر: موقع المسلم